نحو بروز الجيل الثالث من القادة السياسيين في الجزائر: أحزاب سياسية تحضر لعقد مؤتمراتها في الأشهر المقبلة

نحو بروز الجيل الثالث من القادة السياسيين في الجزائر: أحزاب سياسية تحضر لعقد مؤتمراتها في الأشهر المقبلة

  • نحو بروز الجيل الثالث من القادة السياسيين في الجزائر: أحزاب سياسية تحضر لعقد مؤتمراتها في الأشهر المقبلة

عربي قبل 2 سنة

نحو بروز الجيل الثالث من القادة السياسيين في الجزائر: أحزاب سياسية تحضر لعقد مؤتمراتها في الأشهر المقبلة

محمد سيدمو

الجزائر ـ «القدس العربي»: يستعد جيل جديد من القادة السياسيين في الجزائر للبروز من داخل الكيانات الحزبية الكبرى التي تتأهب لإنهاء مرحلة والدخول في أخرى مع عقد مؤتمراتها في غضون الأشهر المقبلة. وتمثل هذه المحطة اختبارا لقدرة الأحزاب المهيمنة على المشهد سواء في الموالاة أو المعارضة، على تحقيق هذا الانتقال الثاني في تاريخها، بعد الأول الذي كان عسيرا جدا لأنه أعقب مرحلة الجيل المؤسس ذي الكاريزما القوية.

ولطالما كانت مسألة تغيير النظام السياسي حجر الزاوية في مشاريع الأحزاب بالجزائر، لكن عندما تصبح هي المعنية بهذا التغيير تبرز خلافات كبرى بين قياداتها تؤدي أحيانا إلى انفجار هذه الأحزاب وانقسامها. ذلك ما يمكن استخلاصه من تجربة 32 سنة من التعددية السياسية في البلاد، وهو زمن قصير نسبيا تخللته مرحلة عنف عصفت بالجزائر أدت إلى تشتت العمل السياسي وابتعاده عن غاياته الكبرى. وقبل ذلك، عاشت الجزائر كغيرها من الأقطار المحسوبة على النموذج الشرقي، تجربة الحزب الواحد بقيادة جبهة التحرير الوطني التي كان لها الفضل في تحرير البلاد من المستعمر، مع وجود تيارات أخرى كانت تنشط في السرية رافضة لهيمنة الفكر السياسي الواحد. ولم تكن ثقافة العمل السياسي في الواقع وليدة لحظة الاستقلال سنة 1962 فقد نشأت الحركة الوطنية بتياراتها السياسية المتنوعة في قلب النظام الاستعماري في بداية القرن العشرين، وأشعلت جذوة الوطنية الجزائرية، قبل أن تختفي الأحزاب ككيانات وتذوب في جبهة التحرير الوطني التي قررت خوض الكفاح المسلح ضد المستعمر الفرنسي سنة 1954.
وفي ظل هذه الجذور التاريخية، تشكل بعد إقرار التعددية السياسية سنة 1990 مشهد حزبي متنوع في خلفياته السياسية والأيديولوجية، تقوده في الغالب شخصيات عرفت بمساهماتها في الثورة التحريرية أو في النضال من أجل التخلص من نظام الحزب الواحد. واستمر هؤلاء القادة على رأس أحزابهم سنوات طويلة، ولم يفكر أحد في التجرؤ عليهم، لأن مناضلي الأحزاب كانوا ملتحمين بهم ولا يرون لهم بديلا معادلا في الوزن والتأثير. لكن «دورة الحياة» بتعبير أحد هؤلاء الزعماء فرضت نفسها في الأخير، فمن القادة من وافاه الأجل (محفوظ نحناح زعيم تيار الإخوان والهاشمي شريف زعيم اليسار التقدمي ورضا مالك أحد زعماء التيار الوطني الحداثي) ومنهم من أعاقه المرض (حسين آيت أحمد زعيم جبهة القوى الاشتراكية) ومنهم من تم الانقلاب عليه بتدبير من جهات في السلطة (عبد الحميد مهري الأمين العام لجبهة التحرير الوطني) ومنهم من اختار طواعية الانسحاب (سعيد سعدي زعيم التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية) مع موجات التغيير التي عصفت بالعالم العربي، ومنهم قبل ذلك من حيّدتهم السلطة مثل زعماء الجبهة الإسلامية للإنقاذ في فترة التسعينات. ولم يبق من الشخصيات السياسية التي عاصرت هؤلاء القادة حاليا، سوى لويزة حنون الأمينة العامة لحزب العمال التي تم تجديد الثقة فيها مؤخرا لولاية جديدة، وهي تنتمي فكريا إلى اليسار التروتسكي. ومع تواري الأسماء التاريخية من المشهد، حدثت عمليات الاستخلاف داخل كل حزب في ظروف كانت في الأغلب صعبة سنوات الألفين.

هزات وانقسامات

وفي التيار الإسلامي، شهدت حركة مجتمع السلم المحسوبة فكريا على تيار الإخوان المسلمين، بعد رحيل محفوظ نحناح سنة 2003 انقساما حادا بعد فترة صمود دامت 5 سنوات، أدى إلى انشطارها إلى ثلاثة أحزاب، هي جبهة التغيير (عادت إلى حضن الحركة الأم) وحركة البناء الوطني وتجمع أمل الجزائر، لكن حركة مجتمع السلم بقيت قوية رغم كل هذه الهزات، وترأسها عقب رحيل المؤسس، أبو جرة سلطاني ثم عبد الرزاق مقري الذي توجه بها نحو المعارضة، وهما شخصيتان عاصرتا محفوظ نحناح وكانتا في الصفوف الأولى معه. وبعد سنة من الآن (2023) سيكون على حمس إيجاد رئيس جديد لها، لأن لوائحها تفرض على الرئيس الاكتفاء بعهدتين من 5 سنوات لكل منها.
ويقول ناصر حمدادوش مسؤول الإعلام في حركة مجتمع السلم وهو من القيادات التي برزت في زمن عبد الرزاق مقري، إن لوائح الحركة تفرض التداول القيادي لأننا حددنا العهدات منذ 2008 وهي قناعة مبدئية لن نتراجع عنها، مؤكدا أن «الحركة تزخر بالقيادات والكفاءات القيادية، والقيادة مرتبطة برمزية المؤسسات أكثر من ارتباطها بالأشخاص». ويصف النائب السابق، في حديثه مع «القدس العربي» المرحلة التي تلت وفاة المؤسس بأخطر المراحل كشأن كل الأحزاب، ولكن، يضيف «تجاوزناها بقوة الشورى والديمقراطية والمؤسسية، ولذلك بقيت الحركة محورية وثابتة رغم الانقسامات، للانتقال من التأسيس إلى المؤسسة».
ويعتقد المتحدث أن «المؤسسية تكرست أكثر، ولذلك بقيت الحركة صامدة مستقلة وسيدة في خياراتها وقراراتها» وهو ما يؤكده «المنحى التصاعدي لتطور الحركة في هياكلها ومؤسساتها، وفي النتائج الانتخابية في التشريعيات والمحليات». وتفاءل حمدادوش بمستقبل حركته بالقول: «إن هناك آفاقا مستقبلية لرؤية تطويرية وتجديدية على المستوى الفكري والسياسي، انسجاما مع التطورات المتسارعة والمتغيرات الكبيرة في بيئتها الداخلية والخارجية». وأشار إلى أن الحركة «ستتجه أكثر إلى تعميق وتركيز التخصص الوظيفي على مستوى الخط السياسي، كحزب سياسي مدني برامجي وتنموي، وعلى مستوى الخط الاستراتيجي في تأمين الوظائف الأخرى في مؤسسات متخصصة في المجتمع، كمًّا ونوعًا».
ومن أكثر الأحزاب التي عانت من متلازمة رحيل الزعيم، كانت جبهة القوى الاشتراكية التي تعتبر أقدم حزب معارض في الجزائر تأسس سنة 1963 على يد القيادي في الحركة الوطنية حسين آيت أحمد الذي غادر الحزب بعد مسار طويل سنة 2013 ووافته المنية سنتين بعد ذلك. ويحضر هذا الحزب بعد هزات كبرى للمؤتمر السادس له مع نهاية هذا العام، بعد أن تأخر عن موعده لأربع سنوات. ووجدت جبهة القوى الاشتراكية بعد انسحاب رئيسها صيغة للقيادة الجماعية، حيث عوّض رئيس الحزب مجموعة سميت بالهيئة الرئاسية تقوم بتعيين السكرتير الأول الذي يمثل الحزب ويحمل كلمته في الساحة السياسية. لكن هذه الطريقة، لم تنجح في منح الحزب الاستقرار، إذ سرعان ما دبّت الخلافات التي أدت لحل الهيئة الرئاسية مرتين وتنظيم مؤتمرين استثنائيين في 2018 و2020 وظهر الصراع بحدة بين قيادات مقربة من عائلة آيت أحمد وبين آخرين رفضوا سيطرتها على قرارات الحزب. وتخلل ذلك إقصاء قيادات وفصلها نهائيا من القوى الاشتراكية، قبل أن يتم لاحقا إعادتها، كما شهد مقر الحزب سنة 2018 أحداث عنف أدت إلى إخراج الرجل القوي سابقا علي العسكري من المقر ثم إبعاده من التسيير، وهو إلى الآن لا يعترف بشرعية المؤتمر الاستثنائي لسنة 2020 الذي فازت فيه قائمة القيادي حكيم بلحسل بقيادة الهيئة الرئاسية وعينت القيادي الشاب يوسف أوشيش سكرتيرا أول للحزب، وهو في منصبه إلى اليوم.
وسيكون على جبهة القوى الاشتراكية في المؤتمر العادي المنتظر، إيجاد التوازن اللازم من أجل تفادي انقسامات جديدة. وضمن هذا التوجه، تطرح اليوم في نقاشات الحزب إمكانية العودة إلى نظام رئيس الحزب بعد هذه الفترة الانتقالية الطويلة، وهو منصب قد تطمح إليه قيادات شابة مثل يوسف أوشيش الذي فاز بمنصب سيناتور مؤخرا، أو حكيم بلحسل وغيرهما من الأسماء المؤثرة حاليا، لكن معارضي القيادة الحالية يبدون غير راضين على طريقة الذهاب للمؤتمر، حتى أن نجل زعيم الحزب الراحل يوغرطة آيت أحمد اتهم هذه القيادة بتخييط مؤتمر على المقاس من الآن.

القيادات الشابة

ومن جانب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، وهو من أحزاب التيار الديمقراطي العلماني، تبدو المهمة أقل تعقيدا، إذ على الرغم من الإشكالات الكبيرة التي واجهها هذا الحزب مع السلطة بسبب رفضه الانخراط في المسار الانتخابي الذي رسمته السلطة بعد الحراك الشعبي وتمسكه بمطلب التغيير الجذري الذي نادى به الحراك الشعبي، يبقى متماسكا داخليا عدا بعض الصراعات التي ظهرت قبل مدة. ويقود التجمع حاليا محسن بلعباس الذي يعد من الجيل الثاني للحزب، وقد أمضى لحد الآن 10 سنوات على رأسه، خلفا لمؤسسه سعيد سعدي الذي آثر الانسحاب من المشهد السياسي في شكله الحزبي لكنه بقي حاضرا كشخصية سياسية لها أتباعها. وقرر بلعباس على الرغم من أن لوائح الحزب لا تمانع في ترشحه لعهدة ثالثة، عدم الاستمرار على رأس الحزب، وهو يعاني حاليا من ملاحقة قضائية يعتبر أنصاره أن لها علاقة بالحد من صوته المعارض، على الرغم من أن القضية تتعلق بحادثة لا علاقة لها بالسياسة وفق ما أوردته النيابة. وظهر أول مرشح لخلافة بلعباس في صورة القيادي عثمان معزوز وينتظر أن تبرز أسماء أخرى قبل موعد المؤتمر المقرر في بداية شهر حزيران/يونيو المقبل.
وقال مراد بياتور مسؤول الإعلام بالحزب وأحد المرشحين المحتملين، إن السن لم يكن أبدا عائقا داخل التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية الذي هو حزب الطليعة التقدمية ويحمل دائما أفكارا حداثية، بل الشباب ظل يحظى بمكانة خاصة وبإمكانهم قيادة الحزب. وأوضح الشاب الثلاثيني في حديث مع «القدس العربي» أنه «لا يوجد صراع أجيال داخل التجمع، لأننا على قناعة ومدركون جيدا أن كل جيل يرى نفسه أكثر ذكاء من الجيل الذي سبقه وأكثر حكمة من الجيل الذي يليه، فعند القدرة على فهم هذه المسلمة بإمكاننا التخلص من عقدة صراع الأجيال ونفهم اننا هنا لنتكامل ونعمل مع بعض سواء بتقديم الحكمة والذكاء أو بتقديم الجهد والوقت».
وأبرز المتحدث أن حزبه لا يملك أي عقدة من تولي الشباب لمناصب المسؤولية بل إن هناك عملا من أجل خلق مناخ للدفع بالشباب نحو الأمام. وتابع يقول «بعد 33 سنة من تأسيس التجمع برز جيل ثالث من المسؤولين في الحزب بعد كل من جيل مؤسسي الحزب الذين بدأوا النضال في السرية، وجيل الرئيس الحالي محسن بلعباس الذين قاوموا في عز شبابهم من أجل الوجود وإثبات الذات في السنوات الدامية والإرهاب».

أحزاب السلطة

وفي صف أحزاب السلطة، تبرز جبهة التحرير الوطني، كحالة تستحق التأمل لحزب ظل يغير قياداته باستمرار لكن دون أن يعطي ذلك عنه صورة أنه حزب يتم التداول عليه بشكل ديمقراطي، ففي ظرف 7 سنوات استهلك هذا الحزب 5 أمناء عامين هم عمار سعداني وجمال ولد عباس ومعاذ بوشارب ومحمد جميعي وعلي صديقي وصولا لبعجي أبو الفضل الذي يقوده اليوم. وتتعلق إشكالية هذا الحزب بارتباطه المزمن بالسلطة التي أفقدته السيادة على قراره في سنوات الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، مما أدخله في أزمة عميقة عند بداية الحراك الشعبي وصلت حد المطالبة بحله، لكن استطاع رغم ذلك التكيف مع السلطة الجديدة وعاد ليتصدر المشهد السياسي في الانتخابات التشريعية الأخيرة. ومع أن محاولات شبيهة بما كان يحدث في الماضي، أرادت الإطاحة بالأمين العام الحالي إلا أنه صمد في منصبه ووقف القضاء في صفه ضد خصومه.
ويبحث حزب جبهة التحرير الوطني، عقد المؤتمر الحادي عشر له قبل نهاية السنة، لترسيم قيادته الجديدة، في وقت يبدو أبو الفضل بعجي في أحسن رواق للاستمرار، وهو من القيادات التي ظهرت حديثا في حزب عرف مرحلتين هي جبهة التحرير التاريخية وجبهة التحرير الحديثة التي ظهرت بعد التعددية، وبينهما مرحلة الحزب الواحد الذي كان فيها الحزب ملتصقا بالدولة وأجهزتها.

تطور المشهد الحزبي

وفي تحليله لتطور المشهد الحزبي في الجزائر، يرى رابح لونيسي أستاذ العلوم السياسية بجامعة وهران، إن التشكيلات السياسية الموجودة لم تنجح في التخلص من العصبيات والانتقال لمرحلة البرامج. وقال لـ«القدس العربي» إن أغلب الأحزاب الموجودة «عصبيات بالمفهوم الخلدوني، فهي لا تمتلك برامج شاملة بقدر ما تجدها تركز على بعد أو أبعاد من الهوية الوطنية، وهذا يتماشى مع ما هو موجود في المجتمع، فمجتمعات منطقتنا لا تزال مجتمعات عصبيات، وهي العصبيات التي قضت على ما سمي بالربيع العربي وعلى الحراك في الجزائر».
ويدعم لونيسي فكرته بما حدث في انتخابات 1991 كأول انتخابات تعددية في الجزائر، حيث فازت فيها ثلاثة أحزاب يمكن توزيعها على أساس مكونات الهوية هي: جبهة الإنقاذ التي تبنت الطرح الإسلامي وجبهة التحرير التي تحدثت باسم الطرح العروبي وجبهة القوى الاشتراكية التي تبنت الدفاع عن الطرح الأمازيغي، بينما لم تظهر التقسيمات السياسية المعروفة عالميا على أساس يسار ويمين وفق المصالح الطبقية في المجتمع.
ويعتقد لونيسي أن للزعيم دور أساسي في هذه الأحزاب التي يمكن أن تعتبر كبيرة، فهي مرتبطة به، وهذه ظاهرة تعود حسبه إلى عهد مصالي الحاج (زعيم الحركة الوطنية) فلو نأخذ جبهة القوى الاشتراكية أو الحركة من أجل الديمقراطية في الجزائر، نجد ان زعيميهما آيت أحمد وبن بلة تربيا في نفس فكرة زعامة مصالي فكررا نفس الظاهرة في حزبيهما، أما نحناح في حركة مجتمع السلم، فهي نتيجة لسيطرة فكرة الشيخ التي لا تختلف عن مصالي الذي كرر في حزبه ظاهرة شيخ الطريقة.
لذلك، يضيف أستاذ العلوم السياسية، بمجرد ذهاب الزعيم الكاريزماتي أو رحيله يظهر الصراع حول خلافته بين مناضلين متساوين ولا يمكن لأي كان منهم تكرار ظاهرة الزعيم الراحل الذي كان في يده كل شيء والباقي هم خاضعون له، فينقسم الحزب إلى تكتلات، وهو ما وقع في أغلب الأحزاب التي كان يقودها زعيم كاريزماتي، مما أدى إلى نفور عام من الأحزاب عززه توجه عالمي معاد للأحزاب بحكم تكرارها نفس أساليب الأنظمة القائمة، وهو ما يفسر حسبه مأزق الديمقراطية حتى في الغرب ذاته.

 

التعليقات على خبر: نحو بروز الجيل الثالث من القادة السياسيين في الجزائر: أحزاب سياسية تحضر لعقد مؤتمراتها في الأشهر المقبلة

حمل التطبيق الأن